Header Ads

التعيين العائلي في الوظائف العمومية !

filemanager
رغم تفاني المؤسسات ، الرسمية وغير الرسمية ، الدائم في التكتم على ما يروج ويحدث فيها وبها ، وحرص مسؤوليها على ألا يتسرب أي من أسرارها ، وتشددها موظفيها في عدم نشر أي من غسيلها ، خاصة الوسخ منه ، الذي لا يُبحث ، غالبا ، في أسباب اتساخها , ولا يُهتم بكيفية تنظيفها في حال احتاجت إلى تنظيف . فإن وسائل الإعلام الحديثة بكل أنواعها الورقية والإلكترونية –المعبر الحقيقي عن الضمير الوطني العام .. بكل تنوعاته وأطيافه .. التي لا تخشى في الحق لومة لائم ، والتي تقول للفاسد انت فاسد ، وللمرتشي أنت مرتش ، وللظالم أنت ظالم ، دون انحياز لتيار على حساب تيار آخر - لا تتوانى في عرض كل ما اتسخ من غسيل ، ما تعفن أوساخ من المؤسسات العمومية وشخوصها الذاتية والمعنوية ، وفاحت روائحها الكريهة الزاكمة للأنفس , على صفحات المجلات والجرائد ، ولا تتأخر عن نشر على المواقع الاجتماعية الواسعة الانتشار ، وتجعله يسري على كل لسان ، سيران النار في الهشيم ، لينال كل يوم أقساطا من انتقادات المواطنين ..
ومن قبيل المثال على ذلك ، وليس الحصر ، ما ابتليت به بلادنا - ومند أمد بعيد – من ظاهرة "تعيين أقارب المسؤولين في مؤسسات الدولة " ، الفضائح التي بالرغم من الجدل القائم حول السر والمعيار الحقيقي الذي على أساسه يتم توظيف الأقارب دون غيرهم من المواطنين في المناصب العليا للحكومة والمتميزة للدولة ؟ أهي الخبرة العلمية والكفاءة ؟؟ أم أن السبب في ذلك هو القرابة من ذوي النفوذ والسلطة والمسوولية ، تبقى ظاهرة منافية لمبادئ الديمقراطية والأخلاق السياسية، ومن أبشع فضائح استغلال النفوذ والسلطة ، لارتكازها على التمييز بين المواطنين ، واعتمادها على تفضيل الولاء على الخبرة ، ولما تؤدي إليه – في ظل غياب قيادات سياسية حكيمة , تسعى بجد وإخلاص وحرص تام على مصالح البلاد , وتتفهم مشاكل واحتياجاته - من شيوع الفساد الإداري وتراجع الأداء الوظيفي ، ومساهمته في نسف المساواة ومحو العدالة الاجتماعية وتهميش الخبرات والكفاءات ، وإبعاد أصحاب الشهادات العليا ، ونشر الشعور بالحقد والكراهية ، التي تفرق صفوف المجتمع ، وتفكك تلاحم المواطنين ، وتفقدهم الثقة في الحكومة وأجهزة الدولة ، وتخلق ، وهو الأخطر ، دولة قائمة على أسس عائلية ، ترجعنا إلى ما كان معروفا في التاريخ "بعهد البرامكة "، حيث ،كان توظيف عائلات بكاملها الأب والأم والأبناء والأعمام والأخوال والأقارب ، بنفس المؤسسة الحكومية ، ورجال وزوجاتهم بنفس القسم من نفس المؤسسة.

الأمر المخالف لما تتطلبه قيادة البلاد من صفات وخصائص ومعايير , تتسم بروح الحرص والمسؤولية ، والإخلاص ، والعمل الجاد في سبيل تطوير وتقدم واستقرار البلاد سياسيا وأمنيا , وبتفهم عميق لمشاكل الشعب واحتياجاته ، وفي جميع مستويات الحياة العامة , والبحث عن السبل الكفيلة لصيانة البلاد من المخاطر , والعواصف التي تدفعه الى الانحدار الخطير ، وعلى رأسها نهج المحسوبية والاستئثار الضيق والمنافع الذاتية والشخصية والتمييز بين المواطنين الذي يعد جريمة تعاقب عليها كل القوانين الدولية ، والذي أخذ في هذه الأيام منحى خطيرا أثر على عمل المؤسسات وعلى قدرتها على التنافسية وتقديم الخدمات الجيدة للمواطنين في تجرد واستقلال تامة ومسافة واحدة مع كل التيارات والأحزاب ، وانتهك كل القوانين المنظمة لشؤون الوظيفة العامة ، و حطم مستوى الأداء فى جميع مجالات دوائر الدولة ، وأخرّ بلورة القواعد والأسس السليمة لتأمين العدالة والحيادية وضمان معايير الكفاءة في التعيين ، وتحريرها من التسييس والتحزب ، وحول الظاهرة إلى عنوان للظلم والقتل المتعمد للكفاءات والخبرات والعلم الحقيقيين ، التي لا يمكن لأصحابها أن يصلوا ، معها وفي ظلها ، إلى قمة هرم ومراكز صنع القرار التي غالبا ما تكون في متناول نائب أو وزير ، ولا ُيمكّن منها إلا أهله وأقرباءه ، وان كانوا عديمي الكفاءة وحتى الفاسدين منهم ، طالما أن المهارات والخبرات ليست معيارا لشغل تلك المناصب ، وتحرم عامة ذوي الكفاءات من الإسهام في رفعة بلادهم ونهضتها ، وتزعج المغاربة من الواسطة والمحسوبية التي باتت المعيار الأول في شغل الوظائف ، لاسيما الأماكن الحساسة..

مناسبة هذه المقدمة الطللية ، هو انكشاف أمر الكثير من فضائح تعيين بعض أقارب المسؤولين في مناصب ليست عادية بدوائر الدولة ، أسوق بعض الحوادث منها على سبيل المثال لا الحصر: أولاها : ما تناقلته الصحف مؤجرا عن فضيحة ضرب مبدأ تكافؤ الفرص والمساواة بين موظفي وزارة الشباب والرياضة ، حيث اعتمد السيد الوزير ، في تعينه لمفتش عام بالنيابة في وزارته ، وارتكز على التمييز بين موظفيه ، حين فضل الولاء على الخبرة في التعيين الذي خص السيد الحسين الجباري ، المنتم لحزبه الحركة الشعبية ، الراسب في الاختبار الذي خصصته الوزارة الوصية لشغل منصب المفتش العام الشاغر ، ولضعف كفاءته التي لا تسمح له بتقلد المنصب نفسه ، خصوصا أنه قدم لوزارة الشباب والرياضة من العمل الجمعوي .

وثاني الفضائح التي كان أبطالها اولئك الذين من المفترض فيهم أن يمثلوا المواطن ، الذي كان يفر إليهم لحل مشاكله ، لكنهم ، مع الأسف ، تحول الكثير منهم إلى جزء من المشاكل المصادرة لحريات نفي المواطن ورغبات ، ما جعله ينفض من حولهم ويتبرم من تنصلهم وتنكرهم لمهامهم وواجباتهم ومسؤولياتهم الحقيقية , واتجاههم صوب التحيز للعائلة والعشيرة والقبيلة ، بشهوة جائعة وجامحة ، وسنهم إلى جانب ما تعرفه الإدارة من مفاسد ، فسادا آخر أخطر منه ، يتعلق بتعيين الأقارب في مؤسسات الدولة ، كما في قضية التوظيفات المشبوهة التي تفجرت بالبرلمان على خلفية قضية التوظيف التي شملت مجموعة من أقارب برلمانيين ومسؤولين داخل المؤسسة التشريعية ، والتي سعت الجهات التي تقف وراء تلك التوظيفات المشبوهة إلى إعطاء مصداقية لعملية التوظيف ، من خلال إعلان طلبات الترشيح بشأن خمسة موظفين في مؤسسة مجلس المستشارين ، تحديدا ، وهو الإعلان الذي اتضح ، في وقت لاحق ، أن الهدف من ورائه منح المشروعية القانونية لعملية التلاعب في المناصب المالية للمجلسين ، سيما أن الأسماء المرشحة لشغل هذه المناصب الوظيفية بالغرفة الثانية ، كانت محددة سلفا ، وجرى الاتفاق على توزيعها بالمحاصصة لإرضاء أطراف تشغل ، إلى جانب ولايتها البرلمانية ، مهام بإدارة المؤسسة التشريعية ، وقد استفاد من هذه التوظيفات – حسب إحسان الحافظي من جريدة الصباح - أقارب نائبين لرئيس مجلس المستشارين ، وممثل للفريق الفدرالي للوحدة والديمقراطية وقريب برلماني من " البام" ، بالإضافة إلى مقربة من مسؤول بإدارة الموارد البشرية بالغرفة الثانية ..

أتساءل كما غيري كثير ، يتساءل مثلي كذلك ، هل هناك اليوم بين دول العالم التي تحترم نفسها من تقبل بالوصاية على أحد , يقينا أنه ليس بين الدولة المحترمة التي تحترم نفسها وتحترم الإنسان ، من يحدث فيها مثل هذه الكوارث ، لأن كل بلدان العالم تتسابق بسرعة رهيبة نحو تطبيق المساواة والعدالة الاجتماعية بين مواطنيها ، اساس تطورها وتحضرها ، إلا من عميت أبصارهم ، وضرب الله على قلوبهم ..

Aucun commentaire

Fourni par Blogger.