Header Ads

من التّقلِيد القِردِي إلى الانحِطاط الأخْلاقِي

__________________263566115

ترددت كثيرا في الرد على أولئك الذين أصبحوا متخصصين في مهاجمة حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي والطعن في مصداقية مناضليه، لأنني كنت دائما أستحضر قول الإمام علي:"ما جادلت جاهلا إلا وغلبني"..ولكن مؤخرا تغلبت على هذا التردد بعد أن وصل هؤلاء إلى مستوى من الانحطاط الأخلاقي لا مثيل له، حيث وصل بهم الأمر إلى التشنيع حتى بالأموات الذين تتفق جميع الأديان والثقافات على أن لا يتم ذكرهم إلا بالخير.

وإذا كانت المبادئ والأخلاق التي تشبعنا بها داخل حزب الطليعة لا تسمح لنا بالرد على الإساءة بالمثل لأن الشتم في السياسة يعني الإنهزام، والضعف، والعجز أمام الواقع الموضوعي، فإن ما يهمنا بالدرجة الأولى هو توضيح بعض الأمور حتى يعرف هؤلاء حجمهم الحقيقي.

إن ما يثير الإستغراب هو كيف وصل هؤلاء إلى هذه الحالة من العداء للحزب على الرغم من أنهم كانوا أعضاءً في صفوفه لفترة معينة؟ ولماذا يتناقض سلوكهم بصفة كلية مع القيم والأخلاق النضالية العريقة التي من المفترض أنهم تلقوها داخل الحزب؟

علينا أحيانا اللجوء إلى علم النفس لفهم سلوك مثل هذه "الحالات" التي تتميز بخضوعها التام لطبيعتها السفلى. لقد جاء هؤلاء إلى الحزب عن طريق الخطأ أو الصدفة في أحسن الأحوال، وكانت تحركهم بالأساس دوافع ذاتية وكان لابد أن يصطدموا بالواقع السائد داخل الحزب. واقع النضال الذي يعني النظام والانضباط ونكران الذات وتغليب المصلحة العامة على الرغبات الذاتية، وذلك بالقدرة على كبح العواطف والرغبات الذاتية..وكذلك القدرة على اتخاذ قرارات قد تتعارض مع مقاصدنا الأخلاقية..واعتماد وسائل فعالة في العمل لا تنسجم مع ما نريده من نقاء أخلاقي أو ثوري.

لقد كان هؤلاء يبحثون عن تحقيق ذواتهم وإشباع حاجياتهم النفسية وذلك على حساب مصلحة الحزب، وكانوا في أغلب الأوقات يسعون إلى الظهور بمظهر المناضلين الجدريين الذين تتجاوز مواقفهم الثورية مواقف الحزب وقيادته. ولتحقيق هذه الغاية اختاروا طريق المزايدة على المناضلين، بل كانوا أحيانا ولا شعوريا يلجؤون إلى تقليد قادة الحزب المعروفين بتاريخهم النضالي المشرف وبمواقفهم الشجاعة، ولكن - وكما لاحظ ذلك الأخ أحمد بنجلون وبسخريته المعروفة - كان تقليدهم هذا يتم بشكل قِردي.

إن حالة الإغتراب والضياع التي أصبحت تعيشها هذه "الحالات" والتناقض الصارخ بين ما تدعيه من ثورية وما تمارسه من انتهازية على أرض الواقع قد ظهرا جليا بعد المؤتمر الأخير لجمعية التنمية للطفولة والشباب عند ما لم يتمكن هؤلاء "الثوار" من الحصول على التمثيلية داخل أجهزة هذه الجمعية..لقد كان رد فعلهم غريبا إذا اعتبرنا "مواقفهم الثورية" في مواجهة النظام وعدم استعدادهم لإضفاء أية شرعية أو مصداقية على المؤسسات القائمة...الخ. لأن السعي إلى الظهور بمظهر"البلاشفة " لايستقيم مع كل هذه الخيبة وهذه الحرقة التي أظهروها عندما فقدوا التمثيلية داخل جمعية تربوية..إلا إذا اعتبرنا بأنهم تنازلوا عن نقائهم الثوري والأخلاقي وقبلوا الاستفاذة من المنح والخدمات والتسهيلات التي أصبحت تقدم للجمعيات، وذلك كتكتيك منهم يخدم الأهداف الاستراتيجية.

لقد تحول هؤلاء إلى أفراد معزولين عندما لفظهم الحزب وأصبحوا يعيشون على الأوهام، ولم يعد بمقدورهم معرفة الواقع الموضوعي والتفاعل معه بشكل إيجابي..لقد فقدوا البوصلة تماما ولم تعد توجههم أية معارك أو صراعات مع العدو الحقيقي ولم يجدوا بالتالي سوى وسيلة إفراغ مشاعرهم ونزواتهم في الشتم والتشهير بالحزب وبمناضليه الأوفياء الذين تغلبوا فعليا على رغباتهم الذاتية واستمروا في الارتباط بقواعدهم وانتماءاتهم الشعبية ومحافظين على تماسك ووحدة الحزب في مواجهة العدو الطبقي.

إن هذه العناصر تتوهم بإنها إذا كشفت عن بعض المشاكل التي عاشها الحزب فإنها بذلك تكشف أسرارا خطيرة. وهذا دليل آخر على أنها لم تتعلم أي شيء ولم تفهم أي شيء بعد كل ماوقع..لأن حدوث مشاكل تنظيمية داخل الحزب هو دليل على الدينامية التي يعرفها، كما أن الأخطاء إذا ارتكبت هي أيضا دليل على أن الحزب يأخذ المبادرات ويتحمل النتائج المترتبة عن هذه المبادرات..وكما لاحظ ذلك أديب ألمانيا الكبير غوته: "إن من يعمل يكون دائما غير عادل وأن العادل الوحيد هو الذي يتأمل"..والنضال كما هو معروف لا يؤدي دوما إلى نتائج سعيدة، فعند تجاوز مشاكل معينة تظهر مشاكل جديدة..وعند اتخاذ مبادرات معينة قد تظهر نتائج سلبية لأنه يستحيل استيعاب الواقع المتحول بصفة كلية..وقوة الحزب تكمن في القدرة على تحمل مسؤولية هذه النتائج السلبية، أما الذي يعاني من الضعف أمام الواقع الموضوعي فإنه يختار الخروج من هذا الواقع وإعفاء نفسه من النضال.

لقد تعاملت قيادة الحزب مع هذه المشاكل بذكاء كبير واستطاعت أن تحافظ على سمعة الحزب وتضمن تماسكه، ولم يخرج من صفوف الحزب إلا هذه العناصر المحسوبة على رؤوس الأصابع والتي كانت تحركها نزواتها الذاتية ولم تعد قادرة على كبحها والانضباط للمنطق الذي فرضه الواقع الجديد الذي تأكد بالملموس بأنها لم تفهمه ولم تستوعب بعد نتائجه.

في كتابه الشهير الأمير كتب ماكيافيللي مايلي: "العقول ثلاثة أنواع: الأول يفهم اعتمادا على قدراته الخاصة، والثاني يفهم اعتمادا على ما وصل إليه العقل الأول، والثالث لايفهم سواء بالاعتماد على قدراته الخاصة أو بالاعتماد على ما وصل إليه الآخرون.الأول يعتبر صاحبه ممتازا جدا، والثاني يعتبر صاحبه ممتازا ،أما الثالث فيعتبر صاحبه عديم المنفعة."

نتمنى على الأقل أن يفهم أصحابنا ما نريد قوله بهذا الاستشهاد.

Aucun commentaire

Fourni par Blogger.