Header Ads

الحوار الوطني حول الأراضي الجماعية إقصاء متعمد للمعنيين الحقيقيين به

الحوار الوطني حول الأراضي الجماعية إقصاء متعمد للمعنيين الحقيقيين به

انعقد بمدينة إفران يومي 08 و 09 من هذا الشهر، الملتقى الجهوي الثاني للحوار الوطني حول الأراضي الجماعية، و ستليه في غضون الأيام القادمة، ملتقيات مماثلة في مدن أخرى بعدما حظيت مدينة و جدة باحتضان أولى هذه التظاهرات. و يُعقد الأمل على هذه الملتقيات لتكون الأرضية الأساس التي ستنطلق منها أشغال المناظرة الوطنية  حول الأراضي الجماعية المزمع انعقادها لاحقا بالعاصمة الرباط.


   خلف الملتقى الجهوي لمدينة إفران استياء كبيرا لدى ذوي الحقوق و القبائل الأطلسية و فعاليات المجتمع المدني إذ تمّ إقصاؤهم من المشاركة و لم توجه لهم الدعوة حتى للحضور و لو بصفة ملاحظ للاستفادة من النقاش الدائر.


   هذا ما دفعهم إلى الاحتجاج خارج قاعة المناظرات التي احتضنت اللقاء، و عَقْد حلقات للتعبير عن مشاكلهم و فضح تعسفات و تلاعبات بعض النواب السلاليين و عرض معاناتهم مع قرارات سلطات الوصاية و استعراض شهادات حية لمجموعة من المتضررين. اللافتات المرفوعة و الشعارات المرددة تترجم بجلاء حجم المرارة التي يتجرعها ذوو الحقوق و ما طال ممتلكاتهم الجماعية من نهب و اعتداء و ترامٍ و في صمت رهيب لسلطات الوصاية.


  ماذا كان سيضير المنظمين لهذا الملتقى لو أنهم أتاحوا الفرصة للمحتجين و المحتجات لطرح مشاكلهم أمامهم و داخل قاعتهم المكيفة عوض تركهم عرضة للشمس المحرقة، يحدثون أنفسهم في غياب مخاطب رسمي يستمع إليهم و يسجل ملاحظاتهم و يأخذها بعين الاعتبار و يحملها محمل الجد.


  صيغة "الحوار الوطني" تعني تبادل وجهات النظر مع أبناء هذا الوطن و فيما بينهم و الإنصات إليهم و التفاعل معهم. لكن يبدو أن هذه الصيغة تحولت إلى مجرد شعار رنان غايته الاستهلاك الإعلامي فقط.


   قد يتحجج المنظمون بالإكراه الزمني و ضيق الوقت، و قد يتذرعون بإشراك بعض النواب السلاليين و ممثلين عن الجماعات المحلية كناطقين باسم ذوي الحقوق. إن موضوعا شائكا، شاسعا و متشعبا كهذا، أ لا يستحق أن يحظى بالوقت الكافي لمناقشة الحيثيات المرتبطة به و دراسة مختلف العناصر المتدخلة فيه و تسليط الضوء على زواياه المعتمة و لو على مدى أيام؟


     بالطبع، هو يستحق العناية الفائقة باعتباره حديث الساعة و مثار نقاشات حادة و سجالات عميقة في الندوات الفكرية و المحافل السياسية و التجمعات الخطابية الحزبية و الجلسات البرلمانية و التقارير الإعلامية، و هو الذي دفع بحشود غفيرة من المواطنين إلى التظاهر و الاحتجاج على امتداد التراب الوطني.


   ثم إن من بين ممثلي الهيئة النيابية و الجماعات المحلية، و بتواطؤ مع منعدمي الضمير من الجهاز الإداري، من هو متورط في الفساد الذي طال أراضي الجموع و منهم من يستفيد من ريعها، و ليس من مصلحته الكشف عن الاختلالات، و يحرص أشد الحرص على أن يبقى الوضع على ما هو عليه.


   إن ذوي الحقوق و الفاعلين الجمعويين هم المُطَّلعون على خبايا الجماعات السلالية و الملمّون بالخروقات التي تعشش داخلها  بحكم معاينتهم لها عن كثب و تعاطيهم المكثف و المتواصل مع هذا الملف.


   أ لم يكن إقصاء الساكنة و المجتمع المدني هو بدافع تفادي الحرج الذي يمكن أن يضع فيه هؤلاء مختلف الأجهزة الوصية على القطاع و بالتالي نسف مجهودات الدولة و إلصاق تهمة سوء التدبير بها؟


أ لم يكن قصد الوزارة الوصية، قطع الطريق أمام كل من يحاول حشر أنفه في هذا الملف /الطابو و كل من يسعى إلى التطاول على موضوع ظل حكرا عليها و سرا من أسرار دهاليز مجلس الوصاية؟


    و هي بذلك تزكي إحدى العناوين البارزة المكتوبة بالبنط العريض في موقع الجماعات السلالية: "يعتبر نواب الجماعات الممثلين الشرعيين و المخاطبين الرئيسيين لجماعتهم". بمعنى أن أية جهة أخرى من ذوي الحقوق أفرادا و جمعيات غير مُخوَّل لها بالخوضُ في هذا الموضوع. و نحن نعرف أن أغلبية النواب ما هم إلا خيوط في أيدي السلطات تحركها كيف تشاء و لو على حساب مصالح ذوي الحقوق أحيانا.


    لذلك ارتأت الوزارة التعامل بانتقائية مع "الفاعلين" و "الشركاء" و مَكّنتْهم من التعبير عن آرائهم بطريقتها الخاصة و بشكل مُتحَكَّم فيه. في الملتقى الجهوي لإفران مثلا، و صل عدد المداخلات تسعين مداخلة خُصِّصت لها تسعون دقيقة، أي بمعدل دقيقة واحدة لكل متدخل. من أين سنبتدئ و كيف سننتهي في موضوع مترامي الأطراف كهذا، مع العلم أن نقطا عديدة أثيرت لمرات متعددة، ومنها ما كان كله إطراءً و ثناءً على مكاتب الشؤون القروية و بإيعاز من الإدارة نفسها.


  إن المتصفح لموقع "الحوار الوطني حول الأراضي الجماعية" على الإنترنت، يلاحظ أن الوزارة سلكت منهجية واحدة في إدارة هذه الحوارات الجهوية و اعتمدت على نفس الآليات و على عدد و طبيعة الورشات بل وصاغت برامج عمل موحدة رغم اختلاف خصوصيات كل جهة و طبيعة مشاكلها. و أخشى ما نخشاه أن تكون التوصيات المنبثقة عنها هي كذلك موحدة و متشابهة أو أنها معدّة سلفا حسب ما يُروِّج له البعض.


    رغم المكانة التي يحظى بها المجتمع المدني في دستور 2011 حيث أقر على "أن تساهم الجمعيات المهتمة بقضايا الشأن العام و المنظمات غير الحكومية في إطار الديمقراطية التشاركية في إعداد القرارات و مشاريع لدى المؤسسات المنتخبة و السلطات العمومية" أي كونها قوة اقتراحية من أجل إرساء دعائم الحكامة الجيدة و الفعل التشاركي لكن يبدو أن الحكومة لا تزال غير مقتنعة بجدوى هذا الاختيار أو أنها متوجسة من المجتمع المدني و تنظر إليه كمحرك لإثارة التوترات و خلخلة المياه الراكدة و الكشف عن الطفيليات المترسبة في قعرها و التي دأبت على الاقتيات من الممتلكات الجماعية .

Aucun commentaire

Fourni par Blogger.